نشرت جريدة الصباح اليوم مقال مؤثّر فيه تذكير بتفاصيل أليمة حول ما صار في حفل ستار أكاديمي المشؤوم في مدينة صفاقس منذ سنة بالضبط، وفي الحقيقة التساؤلات حول نتائج التحقيق وتحديد المسؤوليّات كانت أشياء منتظرة منذ الأيام الأولى للحادثة، ولكن باهي على الأقلّ كيف نذكّرو بيها ونترحّموا على الصغيّرات إلّي مشاو في جرّة جشع الكبيّرات
لكي نقف ضدّ النسيان أدعو كلّ مدوّن تونسي لنشر تدوينة للذكرى، كلّ واحد وجهيّدو، حتى كلمة الله يرحمهم يزّي، في إنتظار عدالة بشريّة أو إلاهيّة تنصف الضحايا وتعاقب المذنبين
وفي ما يلي نصّ المقال نقلا عن موقع جريدة الصباح
حادثة ستار أكاديمي بصفاقس:
سنـة مرّت.. وبعد!
أسئلة عديدة مازالت مطروحة بعد الفاجعة
سنة كاملة انقضت على حصول فاجعة «ستار اكاديمي» التي شهدها المسرح الصيفي بخليج سيدي منصور بصفاقس وراح ضحيتها سبعة اشخاص في عمر الزهور كان جلهم يأملون في قضاء سهرة رائقة مع نجوم الأكاديمية..
الا انه والى جانب القضاء والقدر ولاسباب غامضة لم تتوضح بعد لحد الساعة انقلب هذا المشهد الاحتفالي والعرس الاكاديمي الى مشاهد درامية ادمت القلوب وأبكت العيون وخلفت جرحا عميقا في نفوس عائلات الضحايا وكل من تابع من مسرح الواقعة هذه الصور المؤلمة.. صورة الطفل الصغير هشام اصغر ضحية في الحادثة والذي سقط مرافقه في اول الحفل فانقذه هشام دون ان يدرك انه سيهوي بدوره وتدهسه الارجل ليلقى حتفه في اليوم الذي تزامن مع يوم عيد ميلاده فيحتضنه احد اعوان الامن بين ذراعيه مذرفا دموعه ومرددا بأعلى صوته.. يا رب.. يا رب.. انه طفل صغير يموت.. ليتلطخ «قميصه» الابيض بالدماء التي سالت منه.. وصورة نورز بلقروي التي وقعت على الارض محاولة الامساك بابنتها الوحيدة «خلود» واطلقت عقيرتها بالصياح.. خلود.. خلود.. فكانت تصارع الموت على أديم الارض وتحاول انقاذ ابنتها التي كانت تصيح باعلى صوتها.. ماما.. ماما.. وفرقتهما الحشود الغفيرة المتراصة...
مشهد آخر مؤلم لاحدى الضحايا التي ومن شدة التعلق بالحياة وغريزة حب البقاء عضّت رجل شاب تسمّر بجانبها وهو يرمقها بعينيه وهي تحتضر.. مشهد اخر مؤثر للغاية.. الفتاة أمل المصفار التي ثقبت صدرها الكعوب العالية.
مشاهد مؤثرة
عديد المشاهد المؤلمة والمؤثرة التي مازالت راسخة باذهاننا ونحن نشاهد اطفالا وجرحى مطروحين ارضا.. العدد الكبير من سيارات الاسعاف والانقاذ والحماية المدنية التي كانت تجوب الشوارع ذهابا وايابا كانت تؤشر بان الحدث هو فاجعة كبرى تحدث لاول مرة والمؤكد ان التاريخ سيسجلها في مثل هذه الظواهر الاحتفالية الشبابية.. عائلات الضحايا الذين اصابهم الفزع والهلع لهول ما وقع مجرد سماعهم بالحادثة ليسارعوا حفاة وكيفما شاؤوا.. فالمهم هو الاطمئنان على فلذات اكبادهم واصحابهم واقاربهم.
المستشفى يغص بجماهير الحفل..
المستشفى الجامعي بصفاقس الذي تحول الى «شبه ملعب» وغص بالحاضرين من جماهير الحفل واهاليهم الذين انتقلوا للاطمئنان عن واحد ممن كان يحتفل بظاهرة ستار اكاديمي.. اصحاب البدلات البيضاء من اطباء وممرضين ومساعدين الذين سارعوا لانقاذ ما يمكن انقاذه واسعاف من يمكن اسعافه.. ولتجهيز من انتهى به المصير الى الوفاة وبكل اسف الوجوه مفجوعة والملامح شاحبة ولا أحد يدري ماذا وقع وما عساه ان يستمع من اخبار غير سارة.. ما من عائلة الا وقد استعدت لتقبل ما لا يحمد عقباه.. فمن سلم ولد من جديد ومن غاب ذكره فهو بين الأحياء والاموات..
عائلات ملتاعة..
مشهد آخر مؤثر للغاية لوالد الضحية هناء المسدي السيد حسونة الذي ظل يبحث عن فلذة كبده دون ان يعثر عليها لا بالمسرح الصيفي ولا بغرفة الانعاش ولا حتى ضمن قائمة الجرحى ليتوجه لقسم الاموات وبفتح الادراج.. الدرج تلو الدرج.. ليتفرس في ملامح ابنته التي عثر عليها اخيرا في عداد الاموات..
صورة والد ندى الجراية.. ابنة الممرض سامي الجراية الطالبة والتي التحقت في نفس الوقت للعمل باحد مصانع الخياطة لمساعدة افراد عائلتها في مصاريف البيت والذي كان يبكي بحرقة عن فراق ابنته التي همست في اذن والدها في لقاء اخير جمعها به..: «يا للي يا بابا.. خلّي الواحد يتفرهد ويعمل ضحكة..»
وبارحت البيت رفقة شقيقها ماهر الذي اصيب بدوره باصابات بليغة وخطيرة.. وتناهى لمسامعه صوت شقيقته التي كانت تردد: «يا ماهر.. يا ماهر باش نموت..» لتصعق في الاخير بنبا وتموت نتيجة الاختناق وحصول نزيف دموي لها في الرأس بسبب الدهس الذي تعرضت له.
في قسم الانعاش
موقف مدم للقلوب.. السيدة فائزة الجوة والدة المرحومة امل المصفار التي فقدت ابنتها الوحيدة في لمح البصر مثلما فقدت زوجها الذي خرج ليجلب لامل عندما كانت رضيعة «الحفاظات» دون ان يعود اذ لقي حتفه في حادث مرور مروّع.. لقد كان فعلا مشهدا مؤثرا والارملة فائزة التي التقيناها بقسم الانعاش بصفاقس تلامس رجلي ابنتها اللتين كانتا باردتين حينها ادركت ان فلذة كبدها بصدد الاحتضار لتعود ادراجها لمنزلها قبل أن تعلم بخبر هلاكها عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.. المرحومة والطالبة نادية بن صالح التي بدت يومها في اعين والديها كأنها «عروس» يوم زفافها بأناقتها المعهودة وجمالها الطبيعي الاخاذ.. لتلقى حتفها في نهاية المطاف «رفسا»..
بعد انقضاء سنة من يتحمل المسؤولية؟!
مرور سنة بأسرها عن هذه الفاجعة الكبرى انجر عنها رحيل ضحايا ابرياء كانوا يمنون النفس بقضاء سهرة ممتعة مع نجومهم المفضلين دون ان تفضي التحقيقات الى حد كتابة هذه الاسطر والى حد علمنا الى نتائج عملية وملموسة عن تحديد المسؤوليات وتجريم من يمكن تجريمه كان سببا رئيسيا في قدوم ممثلين من اهالي الضحايا الى مكاتب «دار الصباح» بصفاقس قصد التعبير عن امتعاضهم وقلقهم من بطء سير التحقيقات ونشر النتائج بما يخفف ولو معنويا من آلام تلك الفواجع التي اصابتهم في فلذات اكبادهم واقاربهم. وبنبرات حزينة والدموع التي ذرفوها عند التقائنا بهم.. كيف لا وتاريخ 30 أفريل ارتبط بذلك اليوم المشؤوم وبالفاجعة التي حتما سيظل التاريخ يذكرها.. فمنذ شهر ماي من السنة الماضية اي بعد اسبوع من حصول الكارثة تم اخضاعهم للتحقيقات من قبل اعوان فرقة الشرطة العدلية بصفاقس الشمالية (بساقية الزيت) لم يقع الاستماع اليهم رغم انهم اكدوا حرصهم الشديد على ضرورة تتبع كل المذنبين عدليا في حق هذه الارواح البشرية التي راحت لا بسبب القضاء والقدر فقط انما نتيجة اهمال وسوء تنظيم ليحصل التدافع فتحصل المصيبة..
أهالي الضحايا يستغيثون..
ويواصل محدثونا: جرحنا لن يندمل بعد ولن يلملم كل هذه الجراحات سوى الكشف عن حق هؤلاء الضحايا.. فاغلبنا مازال يعاني ليومنا هذا من اثر هذه الفاجعة.. فمنا من خلفت له المأساة امراضا نفسية ليجد نفسه في مصاريف علاجية هو في غنى عنها.. ومنا من تحول الى الاراضي المقدسة لاداء مناسك العمرة وفريضة الحج ليخفف من احزانه ومن آلامه النفسية والمعنوية.. ومنا من انتقل من مسكنه لمسكن اخر لعدم قدرته وتحمله على مطاردة طيف صغيره في كل ركن وزاوية من بيته.. ومنا من هاجر الى العاصمة لتناسي ما لا ينسى..
اين تبخرت الاموال المخصصة لعائلات الضحايا..؟!
وما زاد في استياء عائلات الضحايا هو ما اكدته لهم بعض المصادر الموثوق بها المتعلق بالاموال والمبالغ المالية التي خصتهم بها ادارة «ستار اكاديمي» والمشرفين عليها بلبنان للتبرع بها والتي ناهزت 90 الف دولار لكل عائلة اي ما يعادل 136الف بالدينار التونسي.. فضلا عن مداخيل الحفل الخاص الذي احيته مجموعة «ستار اكاديمي» في احدى المناسبات واعلنت عليه وسائل الاعلام لتخصص مداخيله لفائدة عائلات الضحايا دون ان يصلهم فلسا واحدا..!!
تساؤلات عديدة ومتعددة طرحها علينا الملتاعون..
ضرورة الاسراع بالكشف عن الحقيقة..
وتنحصر في «خانة واحدة» وهي تحديد المسؤوليات ونشر نتائج التحقيقات وضمان الحقوق المادية والمعنوية للضحايا وعائلاتهم مع أمل ألا تتكرر مثل هذه الفاجعة الغريبة عن مسارحنا وفضاءاتنا الاحتفالية..
الجميع معنيون بهذه الاجابات سواء السلطة الجهوية او السلط القضائية او حتى مسؤولية تنظيم وغيرهم من الاطراف المتدخلة في مثل هذه الاحتفالات.
خديجة