عندي نهارين وأنا "متبرنشي" مع غناية "الأماكن" للمطرب الخليجي محمد عبده، وعلى فكرة ساعات تستغرب كيفاش الفن الراقي ينجّم يخرج ويتولد في محيط خامج وفي مجتمع رجعي ومتخلّف كيما المجتمع العربي. على سبيل المثال سمعت في الأخبار أنّه في الكويت فمّا نائب في البرلمان لحيتو كيف البرشني يطالب في الحكومة بمنع مشاركة المواطنين الكويتيّين في برنامج "ستار أكاديمي" على خاطر السيّد يعتبر أنها برامج تمسّ بمكارم الأخلاق العربيّة. بالطبيعة مانيش أنا إلّي باش نجي ندافع على برامج سخيفة من النوع هذا لكن التطرّف زادة موش باهي.
الحقيقة التدوينة هاذي ما كانش عندها فكرة محوريّة واضحة، على الأقل وقت إلّي بديت نكتب فيها، ولكن فقط حبّيت نقول أنّها الأهميّة الزايدة على اللزوم إلّي قاعدة تاخذ فيها المدوّنة هاذي بدات تقلّق فيّا، وساعات نحسّ أنّها الناس تستنّى منّي باش نكتب الحاجات إلّي هوما يستنّاو فيّا باش نكتبها، وإلّي ماهيش بالضرورة الحاجات إلّي أنا نحبّ نكتبها، وهذا يحسّسني بنقص في الحريّة من ناحية ومن ناحية أخرى بالمسؤوليّة، ولكن بصراحة أنا إنسان نكره المسؤوليّة، ما نحبّش نكون مسؤول لا على نفسي ولا على الناس، وما عندي حتّى نيّة باش نكون الناطق الرسمي بإسم الشعب التونسي المكرّز والشباب البطّال والناس إلّي موش لاقية قدرها في البلاد، ماهيش مسؤوليّتي يا خويا، أخطاونا من البلاء خلّي الواحد يركّح أمورو الساعة ومن بعد نحكيو. تي هو أنا حتّى في حياتي الخاصة عمري ولا كنت مسؤول باش نجي توّة نولّي مسؤول على مشاكلي ومشاكلكم؟ من اليوم كلّ واحد مسؤول على روحو وكلّ واحد يشوف كيفاش ينقذ روحو وحدو، هاني نبّهت عليكم. نظّموا رواحكم يا خويا، أعملوا برامج واضحة لحياتكم، مثلا لواش كلّ مرّة تقعدوا تحرقوا بالثلاثين في فلوكة؟ أعملوا نهار واحد في الصيف أحرقوا فيه الكلّ مع بعضكم، "درابوّات وفلام" في وسط البحر، وفيراج ما علبالو، وكاميكاز الكومندو، وبريقاد روج زادمين، وأزدموا على البحر الأبيض المتوسّط وكان لزم أعملوا غناية جديدة "يا حرس الحدود قوّي الرونفور"، موش خير؟ آشكون باش يوقّفكم كي تبداو قول 60 ألف في وسط البحر؟ أزدم يا ولدي راهي الدنيا مع الزادمين.
عندي زادة ملاحظة أخرى فيما يخصّ تدوينة المغرب الكبير متاع غرة جوان كان سهّل ربّي وبالذات هي تتعلّق بالإجابة على بعض التعاليق إلّي شافت أنّها الأولويّة في الساعة الراهنة هي للأحداث التونسيّة والمحليّة وخاصة الحوض المنجمي. بون، أنا نوافق الرأي هذا جزئيّا، وكنت عبّرت على موقفي في تدوينة سابقة من ضرورة طرح الأزمة هاذي للنقاش العام والمحاسبة والبحث على الحلول، موش فقط في المدوّنات ولكن في التلفزة ووسائل الإعلام الكلّ، ولكن حكاية التدوينة المغاربيّة ماهيش جاية ضدّ الشيء هذا ولا هي تحبّ "تخطف الأضواء" المسلّطة على الحوض المنجمي. الحكاية وما فيها مجرّد تكريس نحبّوا نعملوه لسنّة تدوينيّة حميدة بديناها عمناول، يعني لا هي مسابقة وطنيّة ولانا باش نجيبو الصيد من وذنو، واللي باش يشارك ينجّم يخسر على الحكاية هاذي 10 ثواني فقط بتدوينة تحمل شعار الحملة لا غير، يعني 10 ثواني ومن بعد أرجع إحكي على قفصة وعلى إلّي تحبّ عليه، ما طلبناش منّك باش تجيبلنا "دوميسيلياسيون دو سالار" ولا باش ترهن دارك ولا باش تلتزم بعدم الحديث عن أيّ موضوع آخر، وبالتالي إلّي مقتنع بضرورة الإندماج المغاربي ويحبّ يشارك يشارك وإلّي ما عينوش ملاّ راحة، بالكشي ماشي في بالكم باش تعملوا عليّا مزيّة وإلاّ أنا فاضي شغل باش نقعد نفسّر ونبرّر في موقفي على كلّ كلمة نكتبها؟
وبالمناسبة هاذي، ومادام موضوع أزمة الحوض المنجمي مطروح خلّيني نعطي رأيي في بعض المسائل إلّي يمكن هي ما بين المشاكل الأساسيّة المطروحة وحتى حدّ ما فكّر فيها، بحيث حسب ما شفت، الناس الكلّ "مكرّزة" وتندّد وتساند في الحركة الإحتجاجيّة بمنطق التضامن والتآزر في مواجهة الظلم، وأنا زادة ما نحبّش الظلم ونحسّ بالمشاعر هاذي الكلّ، لكن فمّا حاجات إنّجّموا، نحنا إلّي ماناش نشمّو في الغاز "لاكريموجان" في ديارنا وحتى حدّ ما هو محاصرنا ومانع علينا التركيز والتفكير الرصين، نخمّموا فيها ونطرحوا أسئلة أعمق شويّة.
عندي بالأساس ثلاثة محاور للتفكير باش ما تقولوش أنّي ندّعي إمتلاك الحلول الجاهزة:
أوّلا، مسألة الحوض المنجمي هذا تطرح إشكاليّة فيما يخصّ المثال متاع التنمية الجهويّة إلّي نتبّعوا فيه من عام الإستقلال لليوم، وهو مثال تنموي حاطط قدّامو أهداف ماهيش قابلة للتحقيق أساسا على خاطر أقوى من إمكانيّاتنا الإقتصاديّة والماليّة. يعني باش نلخّصها من الأوّل، عملنا ما يعبّر عليه الفرنسيس بمقولة "يحبّ يبصّ أعلى من ترمتو" péter plus haut que son cul وبالتالي خالفنا المثل التونسي الحكيم إلّي كان قبل ذلك نبّهنا إلى أنّو "على قدّ لحافك مدّ ساقيك".
الأهداف الكبرى متاع التنمية الجهويّة متاعنا كانت بالأساس تحقيق تنمية متوازنة بين الجهات، يعني شدّينا الخريطة، قسّمناها خطوط خطوط وقلنا هاذي ولايات، ومن بعد قلنا لازم نعملو تنمية متوازنة ما بين أبراج البطّيخة هاذي، يعني ما بين الولايات. المنهج هذا علاوة على أنّو إعتباطي شويّة وخذا بالأساس بتقسيم البلاد على أساس مخلّفات قبليّة وعروشيّة متاع مجتمع ما قبل الإستعمار، فإنّو إقتصاديّا مثال فاشل من بدايته، تقول إنتي علاش؟ باهي هاو باش نقوللك علاش: على خاطر أوّلا بلادنا ما عندهاش فلوس متلتلة من القاز أو البترول أو الذهب باش تبدى تستثمر فيها في الجهات الكلّ بنفس الدرجة من العدل والإنصاف، وبالتالي فإنّه معقول ياسر أنّك كيف تبدى عندك شويّة فلوس تحطّها في البلاصة إلّي باش تربّحك أكثر وبالتالي فإنّك ما عندك حتّى سبب منطقي مثلا باش تحطّ معمل متاع خياطة يخدم للتصدير في بلاصة كيف أم العرايس على خاطرك كيف باش تصدّر لازمك تكون في أقرب بلاصة للبرط باش ما تزيدش تثقّل على روحك تكاليف النقل وبالتالي سلعتك تولّي أغلى وتقعدلك في الرقبة. تقولولي نعملو برط في أم العرايس؟ باهي نعملو، أما قبل هذا لازم تعاودو تقراو درس الجغرافيا متاع هاك العام وقتها المعلّمة تتكلّم وإنتوما تشوّشوا.
يحبّ يقول هنا أنّه عادي باش الإستثمار يمشي للبلايص إلّي يلقى فيها مردوديّة أعلى، وهذا ماهوش عيب. العيب هو أنّك تحطّ أهداف تعرف أنّك ما تنجّمش تحققها وتقعد من بعد في الحشمة مع المواطنين إلّي يستنّاو في التنمية ياخي لا جاتم تنمية لجهاتهم ولا صارت تنمية بصفة كافية في البقايع الأخرى من البلاد بدرجة تسمح بإستيعاب عدد أكبر من البطّالة من مختلف جهات البلاد.
الإشكال الأوّل هذا يطرح إعادة النظر في مثال التنمية الجهويّة والتفكير على مستوى وطني أوّلا، يعني موش مشكل كان نركّزو الإستثمارات في أماكن أكثر من غيرها ونخلقوا مدن كبرى (كبرى بالحق موش بالبلّوط كيما إلّي عندنا) تكون قادرة من حيث البنية الأساسيّة والحجم الإقتصادي أنّها تستوعب الطاقات المهمّشة في البلاد الكلّ، وبالطبيعة الإستيعاب هذا يتمّ مبدئيّا على أساس الكفاءة والحاجة متاع المؤسّسات، موش على أساس أنا ولد فلان أو مولود في الدشرة إلّي تولد فيها سي فلان (بعد ما تبيّن أنّ مصطلح الدشرة ما عندو حتى صبغة تحقيريّة أو متاع جهويّات باش نولّي نتسعملو بكلّ أريحيّة من هنا فصاعدا) وهو ما يخلّينا نوصلوا للمحور الثاني ونمسّوا جوانب من المحور الثالث. صبرا جميلا يا مادام.
السؤال الثاني إلّي تطرحوا قدّامي أزمة الحوض المنجمي (وما بيناتنا ما نعرفش علاش سمّاوه "الحوض"، تقولش عليهم يحكيو على "لافابو" !) هو آشنوّة موقفنا بالضبط من المؤسّسات العموميّة ومن التنمية اللي باقي تحبّ تتركّز على مؤسّسات الدولة (بما أنّها شركة فسفاط قفصة، إلّي هي كانت سبب الداء وأصل البليّة في أزمة "اللافابو" المنجمي هي منشأة عموميّة متاع الدولة أحياها الله). إلّي أثار تعجّبي من ردود الفعل الإنفعاليّة إلّي قريتها هنا وهناك هي أنّها عموما تطالب بحق الناس في الخدمة في شركة فسفاط قفصة، علاش؟ على خاطر هاذيكة شركة ورثوها الجماعة بو عن جدّ وبرشة من جدودهم وآباءهم ماتوا الله يرحمهم على إثر حوادث عمل في المناجم متاعها. باهي، وإلّي بوه يموت في الجيش ياخي سامحني، يولّي عندو باي في وزارة الدفاع؟ واللي بوه تاكسيست يموت في حادث مرور، يولّي عندو الحق في وظيفة في وزارة النقل؟ ياخي مؤسسات الدولة محلولة للتوريث أو أنّها متاع الناس اللي يسكنوا في الجهة إلّي هي فيها أو أنّو الفسفاط بيدو إلّي تستخرج فيه الدولة من الحوض المنجمي هو بالحق ملك متاع القفاصة؟؟ حسب ما نعرف، وفي إطار دولة تحبّ تسمّي روحها جمهوريّة تحت مسامع وأنظار عشرة ملاين من شهود العيان إللّي على ما يبدو موافقينها الرأي فيما يخصّ التسمية هاذي، فإنّ ثروات البلاد في كلّ ما خرج عن الملك الخاص للأشخاص هي ملك عام للدولة وللمواطنين الكلّ، الأحياء منهم اليوم والموتى وحتى إلّي جايين في الثنيّة. ما تفهمونيش بالغالط، مانيش قاعد انناقش في حق الناس إلّي تطالب بالعمل والحياة الكريمة في الحوض المنجمي في تحقيق مطالبها، ولكن على أيّ أساس؟ على أساس أنهم مواطنين في الجمهورية ومن حقهم ينتفعوا بشويّة التنمية الموجودة كيف غيرهم؟ وقتها على الرأس والعين. أما تقولولي على أساس "هاذاكة فسفاطنا وما عادش تهزّوه وهاذي شركتنا ولازمنا نحنا نخدموا فيها"؟ سامحني خويا أما ماهوش صحيح. بالطبيعة مانيش قاعد نعمّم لهنا والأكيد أنّ المنطق هذا ماهوش منطق كلّ الناس إلّي حكات في الموضوع أو إلّي إنخرطت في الحركة الإحتجاجيّة، ولكن فقط حبّيت نبيّن موقفي من بعض الأفكار إلّي تخلّيني نشكّ في أنّنا مازلنا مجموعة عروش وقبائل ومازلنا بعاد على مفهوم المواطنة، لكن هذا باش نخلّيه للمحور الثالث.
نرجع للمحور الثاني للأفكار إلّي حبّيت نطرحها وهو بالتحديد التالي: علاش حتى حدّ ما قال الحقيقة متاع المشكل لهنا وهي أنّ التنمية القائمة على المؤسّسات العموميّة، أو ما يسمّيه عشّاق تشي غيفارا بـ"إمتلاك الدولة لوسائل الإنتاج"، هو مثال تنموي ما ينجّم يكون كان فاشل..؟ الناس شدّت في النتائج ونسات السبب، أو كيما يقول هاك الطبيب المرزوقي الله يذكرو بالخير: شدّت في الأعراض ونسات سبب الداء أو حاجة هكّة، بحيث إلّي هذا يندب كيفاش كلّ مدير يجي يجيب معاه جماعتو ويخدّم أولاد بلادو وتدخل فيها المحسوبيّة والفساد والسرقة وينسى سؤال آخر: ياخي الدولة مجعولة بالحق حسب رأيكم باش تستخرج فسفاط من مناجم؟؟؟؟ سامحوني شويّة أما وينهم الناس إلّي نهار وطولو يندّدوا بالخوصصة متاع المؤسّسات العموميّة؟ آشبيهم ما شافوش لهنا كيفاش عدم الخوصصة متاع قطاع إنتاجي يهزّك بالضرورة لوضعيّات داخلة في حيط متاع أكتاف وناس تاخذ في شهاري وما تخدم في شيء، وجعالة واستغلال نفوذ والهم الأزرق الكل؟؟ ياخي تعرفوش علاش إنتوما من أصلو الناس جات من سيدي بوزيد ومن صفاقس باش تفكّ خدم متاع ناس قفاصة؟؟ ياخي على الشطوط الزرقاء إلّي فيها قفصة هاذي وإلاّ على طقسها الجميل ونسيمها العليل وإلاّ على هيفاء وهبي ونانسي عجرم وإليسا إلّي يدوروا في شوارعها باش واحد بعقلو يخلّي بلادو ويمشي يخدم في قفصة؟؟ شركة الفسفاط هاذي يا سيدي ما عنديش كلمة أخرى نعبّرلكم عليها أحسن من أنّها حاشاكم ترمة، ترمة على ذمّة العموم، الشاوش فيها يخدم ربع ساعة في الجمعة ويخلص تسع مياة دينار بخلاف آش ينجّم يتفتف، وما نحكيش على الإطارات.. يعني فلوس البيليك ماشية في الهواء قال شنوّة باش نعملوا شويّة توازن بين الجهات وتنمية جهويّة والقفاصة ينقّصوا من البلادة والمشاكل. إيه توّة إنتي كيف تجي تعملّي ترمة كيف هكّة وإلّي يجي يضرب، ماهو عادي جدّا باش الناس تولّي تسيّب بلدانها وتفكّ في بلاصتها في قفصة وإلاّ حتّى في برج الخضراء وكلّ قدير وقدرو: هذا ولد خو رئيس مصلحة "الفُسْ"، الآخر ولد أخت كاهية مدير إدارة "الفاط"، وهكذا دواليك حتى لين أولاد البلاد خرجوا منها بالواحد بالواحد ورزق البيليك ولاّت شايخة فيه أولاد بلاد المدير القديم والمدير إلّي قبلو، وصار ما صار...
خلاصة القول، خويا العزيز، ماك ما تحبّش الخوصصة، ماك تحبّ الحكومة تخدّم الناس، خويا العزيز هاذاكة الموجود: الحكومة ما تعرفش تستخرج الفسفاط، ماهيش خدمتها، ماهيش "صنعتها" بالعربي. تحبّ الحلّ؟ بكلّ تواضع نقول: خوصص وأخرج من اللعبة ! طرّد الناس الكلّ، بيع الخرى، جيب الخواص (ولهنا "الخواص" زادة ما يعنيش بالضرورة أولاد عمّك أو أنسابك) يخدّموا الناس حسب الحاجة الحقيقيّة للشركة، الدولاب يدور، مردوديّة إقتصاديّة، وإنتي مرتاح من البلاء. وكان على البطّالة شوفلهم خدم أخرى وموش لازم في أم العرايس بالذات، ماهوش ممكن باش شركة واحدة تخدّم الناس الكلّ زادة يا رسول الله، وماهوش عيب كيف الواحد يتنقّل يخدم في بلاصة أخرى، بالطبيعة إذا كان الخدمة تتوفّر في بلايص أخرى. بلادنا ماهيش كبيرة بالصفة إلّي تخلّيك تحسّ بالغربة وإنتي تخدم في بنزرت إذا كان دارك في بن قردان.
المحور الثالث للأفكار إلّي تطرحها عليّا أزمة قفصة وأريافها هي مسألة التركيبة القبليّة والعروشيّة للمجتمع وقلّة الوعي بمفهوم من المفروض أنّه محوري في إطار نظام الجمهوريّة، ألا وهو مفهوم المواطنة. مانيش باش ندخّل فيها الكورة والسبّان متاع السواحليّة في الستاد على خاطر هاذاكة الكلّ يدخل في إطار المنافسة الشريفة والروح الرياضيّة، ولكن السؤال فعلا مطروح: كيفاش تنجّم حركة إحتجاجيّة تقوم في جهة واحدة دون غيرها في حين أنّ مضمونها حسب ما فهمت هو المطالبة بحقوق إقتصاديّة وإجتماعيّة كيف حق الشغل والحق في التنمية واللي هي حقوق من المفروض أنّ المطالبة بيها والحاجة ليها يتشاركوا فيها تقريبا شباب البلاد الكل..؟ هذا يطرح إشكال آخر يرجع بينا لأصل المشكلة: هل أنّ الإحتجاج تأسّس فعلا على المطالب الموضوعيّة المذكورة أم أنّ البعد الجهوي وبالتحديد القبلي والعروشي عنده دور أوّلا في تكريس تمييز بين مواطنين من المفروض أنّهم متساوين أمام الدولة إلّي تجمع الناس الكلّ، وثانيا دور حتى في تحريك الحركة الإحتجاجيّة بيدها بمعنى "هام يحايلوا علينا إمّالا هانا باش نجيبوها حميّة ونعملوا البورديل".. مانيش قاعد ننكر في حق أي طرف في المطالبة بحقوقه أما لازم نفكّروا شويّة في الجانب هذا زادة على خاطره هو زادة جزء في المشكل من الأوّل ونستبعد أنّه ينجّم يكون جزء من الحلّ، أو على الأقل من حلّ طويل المدى.
حسب رأيي الإنتماء القبلي والجهوي والعروشي في حدّ ذاته ينجّم يكون مقبول، ولكن المشكل هو لمّا يولّي الإنتماء هذا يمثّل إحساس أقوى من الإحساس بالمواطنة. ولهنا انّجم نقول أنّو "شويّة من الحنّة وشويّة من رطابة اليدين"، يعني أنّه الإنتماء هذا كان متجذّر في عقليّاتنا من قبل حتى ما تجي الدولة "الحديثة"، والمحاولات البورقيبيّة لمقاومة الجهويّات وزرع فكرة القوميّة التونسيّة أو الأمّة التونسيّة كبديل للشيء هذا ما نجحتش للأسف، أو لعلّها نجحت في وقتها وما لقاتش آشكون يكمّلها، أو لعلّها نجحت ومن بعد جاء آشكون كبّلها سعدها، ولكن زادة حسب رأيي، وهذا الجزء يقابل "رطابة اليدين" في المثل المذكور، نشوف أنّه عدم تكريس مفهوم المواطنة بصفة تجعل المواطن "يحبّ" فكرة أنّه مواطن، عندو حقوق المواطن الكاملة وما أدراك، وبالتالي ينسى حتّى شويّة أنّه صفاقسي أو جندوبي أو ساحلي أو زلاصي أو عيّاري أو فرشيشي، ويتذكّر خاصّة أنّه مواطن تونسي. وبالتالي فإنّ غياب هالمرجعيّة القويّة متاع المواطنة كممارسة يوميّة، موش كخطابات نظريّة، خلاّت الناس تتشبّث بهاك الإنتماء الضيّق وبالطبيعة في الحالة هاذي تولّي العائلة تتعدّى قبل "البراينيّة" والأقربون أولى بالمعروف وهذا قريبـي وهذا ولد بلادي والآخر من هاك البلاصة خايب.. والثقافة هاذي كيف تتنشر فإنّه عادي جدّا أنّك تلقاها زادة في مستوى الطبقة السياسيّة وفي مختلف مراكز المسؤوليّة (هاذيكا اللّي ما نحبّهاش أنا) بما أنّ المسهول ماهو إلاّ واحد من أولاد المجتمع هذا، وبالتالي هو زادة عندو عايلة تجي قبل كلّ شيء، وبعدها عرش وقبيلة وأولاد بلادو وأولاد الجهة متاعو، ومن بعد نشوفوا آش يفضل للبقيّة، وبالتالي نفس الشيء باش تلقاه في الإدارة، في المعاملات، في الكورة، وزيد الماء زيد الدقيق حتى لين تخلى على رأس الجميع بقدرة المانع الستّار.
باش نرجع لحكاية الأزمة متاع الحوض المنجمي، وحسب رأيي الخاص والمتواضع، فإنّ الشعور بالظلم والعدوان كان شعور طبيعي كيف تشوف برشة عوامل أخرى، خارجة في الحقيقة عن مجرّد حكاية الإنتدابات في شركة فسفاط قفصة، بحيث كانت الإشكاليّة هاذي مجرّد فتيلة شعّلت الدنيا وبرّة. العوامل هاذي مثلا كيف العباد تحسّ، وبل وتعرف، أنّها الناس الكلّ ماهيش متساوية قدّام القانون، وكيف تحسّ، بل وتعرف، أنّها برشة ناس قاعدة تستعمل في انتمائها الجهوي أو العائلي أو القبلي باش تتمتّع بإمتيازات على غيرها، كيف تحسّ، بل وتعرف، أنّها الكفاءة ما عندها ما تقضي قدّام المحاباة، يعني في الحالة هاذي، وقتها تحسّ (من غير ما تعرف المرّة هاذي هههه) أنّها البلاد إلّي إنتي عايش فيها ما عادش تتعامل معاك كمواطن بل كشخص ينتمي أوما ينتميش لعرش معيّن أو لقبيلة معيّنة، وفي الحالة هاذي، كيف نخرجوا على منطق المواطنة، إلّي هو بالأساس يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، فإنّ ردّة الفعل العروشيّة والقبليّة متاع الناس إلّي يحسّوا أنفسهم في وضعيّة إقصاء من المجموعة تصبح طبيعيّة، وتزيد في حدّتها، بل وفي شرعيّتها، الفوارق إلّي تسبّبت فيها خيارات تنمويّة حولة كيما حكيتلكم في المحور الأوّل.
هيّا يزّي توّة من الهدرة، ومن غير ما تزيدو تلزّوني باش نقول كلام ماهوش من المفروض أنّي نقولو.. شفتو كيفاش بديناها بـ"الأماكن" وكمّلناها بـ"الجهات"، وهي فكرة حلوّة كان محمّد عبده يزيد يعمللنا "ريميكس" بكلمات أخرى من نوع:
"الجهات بكلّها مشتاقة لك،
والعروش إلّي انرسمت فيها ولاياتك،
والميزيريا والبطالة في شبابك،
ماهو بسّ قفصة حبيبي،
الجهات بكلّها مشتاقة لك..."
وكي تجي تشوف بكلّو في إطار الفنّ العربي الأصيل، وما بقالي نقول كان الله يهدي ما خلق وموعدنا نهار واحد جوان للتدوينة المغاربيّة يرحم والديكم من غير بلادة. هيّا أنّستو.