بسم الله الرحمان الرّحيم
كنت إلتزمت منذ إفتتاحي للمدوّنة هاذي بأنّي مانيش باش نعمل فيها البوليتيك، ولكن هذا ما يمنعنيش من الحديث في البوليتيك من حين لآخر طالما أنّ البوليتيك على قدّ ما تهرب منّو على قدّ ما تلقاه قدّامك، وحتى كيف ما تمشيلوش هو وحدو يجيك.
اليوم باش نحكي على واحد من أوجه البوليتيك في بلادنا ألا وهو العمل النّقابي، والنّقابة في الأساس هي هيكل مجعول باش يدافع على مصالح فئة معيّنة سواء كانوا مجموعة من العمّال والطّلبة، ومع أنّ النّقابات عموما هي هياكل ينشطوا فيها اليساريّين والنّاس المتشبّعة بالنّظرة الطبقيّة للمجتمع بما أنّه مجال للصّراع بين رجال الأعمال ورؤوس الأموال من جهة والطبقة الشّغيلة إلّي عادة ما تكون مستغلّة إستغلال فاحش وماكلتها الميزيريا والمعاملة متاع الكلاب حاشاكم. يحبّ يقول أنّ النّقابات تدافع عن مصالح مهنيّة بالأساس ولكنّها أيضا متسيّسة بشكل من الأشكال، وغالبا ما يكون عندها إعتراضات على سياسة الحكومات، وذلك دائما في علاقة بمصالح النّاس إلّي تمثّلهم. هذا ما يمنعش أنّ النّقابات تنجّم تلمّ ناس من إتّجاهات مختلفة على غرار بعض الوصوليّين والمتملّقين والمتسلّقين إلّي يسجّلوا حضورهم لا للدّفاع عن النّاس إلّي من المفروض أنّهم يمثّلوهم وإنّما للجري وراء مصالحهم الشّخصيّة، وهاذي ظاهرة موجودة لا فقط في الهياكل النقابيّة بل كذلك في الأحزاب السّياسيّة وحتّى في بعض الهياكل الأخرى كيف لجان الأحياء والجمعيّات بمختلف أنواعها.
علاش يقول القايل جبدت على الموضوع هذا وآش مدخّلني في الأمور متاع النقابات وأنا كيما تعرفوا إنسان ليبرالي إمبريالي مغروم بإقتصاد السّوق ومن أتباع نظريّة "ذراعك يا علاّف ولا ترحم من مات"؟
الحقيقة ما خلاّني نتذكّر الحكاية هاذي هي صورة شفتها البارح على فايسبوك متاع إجتماع (أو لعلّه إحتفال) نقابي إحتضنته ساحة محمّد علي وكان المعني بالأمر بالتّحديد هي "النّقابة العامّة للتّعليم الأساسي"، وهي نقابة ما يخفاش عليكم مهمّة جدّا نظرا لأهميّة قطاع التعليم الأساسي ودور المرحلة هاذي من التّعليم في تكوين تلميذ عنده من المؤهّلات ما يسمح بمواصلة دراستو مسلّّحا بالحدّ الأدنى المطلوب من المعرفة ومتمكّنا من آليّاتها الأساسيّة.. ومن الأكيد أنّ العاملين في ميدان التّعليم الأساسي يواجهوا في صعوبات جمّة لا سيما وأنّ مستوى التلامذة (والطّلبة) متاعنا في تراجع ومن سيّء لأسوأ، أكيد مثلا أنّه فمّا مشاكل من حيث تكوين المعلّمين ومن حيث آليّات التّدريس والبرامج والإمكانيات الماديّة وظروف التّدريس، أكيد أنّه فمّا مشاكل من حيث عدد الحواسيب الموضوعة على ذمّة التّلامذة وعلى مستوى التّجهيزات، وما عنديش أدنى شكّ في أنّهم التلامذة يقراو في قاعات ما تعرفش التسخين في الشتاء ولا التبريد في الصّيف، أكيد أيضا أنّ العاملين في الميدان هذا ما يخلصوش مليح، وإلاّ راهم ما يتلزّوش باش يستغلّوا والدين التلامذة إستغلال فاحش من خلال الدّروس الخصوصيّة.. أكيد أيضا أنّ هناك نقص في الرّسكلة والمتابعة والتّقييم متاع المعلّمين، وأكيد أنّ العديد من المعلّمين يعاني من تعيينه في أماكن بعيدة عن مقرّ سكناه.. نتصوّر أنّ مشاكل كيما هاذي أكيد راهي موجودة وراهي من أوكد إهتمامات "النّقابة العامّة للتعليم الأساسي"، ونتصوّر أنّه من واجب النّقابة هاذي أنّها تندب ليلا نهارا باش تساهم في إيجاد حلول تخدم القطاع والعاملين فيه والبلاد بصفة أعمّ.. ولكن "النّقابة العامّة للتّعليم الأساسي" عندها على ما يبدو رأي مغاير، على خاطر الشّعار الكبير إلّي نلقاه مرفوع في إجتماع (أو حفل) "النّقابة العامّة للتّعليم الأساسي" كان وبالبنط الكبير: "لا للتّطبيع.. نعم للمقاومة"!!!
يقول القايل في مثل هذه الوضعيّة بالكشي فمّا داعي لرفع مثل هذه الشعارات لمّا يتعلّق الأمر بالتّعليم الأساسي، يعني لعلّ المدارس متاعنا قاعدة ترزح تحت إحتلال قوات أجنبيّة تستوجب المقاومة والنّضال المسلّح، أو لعلّ التلاميذ قاعدين يعملوا في عمليّات إنتحاريّة ضدّ عناصر الإدارة الغاشمة؟ الحقيقة بما أنّي ما عنديش في العائلة شكون يقرى في التّعليم الأساسي قلت بالكشي فمّا عناصر من التلامذة الصغار غرّروا بيهم عبر فايسبوك وإنخرطوا في حركات تطبيع مع الكيان الصهيوني ولعلّ النقابة متاع التعليم الأساسي تابعت نشاط العناصر هاذي عبر الشّبكة وإحتجّت عليها.. علاش لا؟
شكوكي هاذي سرعان ما تبدّدت لمّا واصلت الجولة في ألبوم الصّور وشفت "البوستارات" المعلّقة في مقرّ النّقابة الموقّرة: صور للدكتاتور العراقي السّابق صدّام حسين، كاريكاتير لرئيس الوزراء العراقي الحالي في شكل كلب وقد كتب تحته بالخطّ العريض "كلب الإحتلال" (أكيد راهو عندو يدّ في تردّي وضعيّة التّعليم الأساسي في تونس)، هذا طبعا مع بعض العلمّات الفلسطينيّة والشّعارات الأخرى التي أكل عليها الدّهر وشرب.. أمّا "التّعليم الأساسي"، فتصويرة لا، شعار لا، كلمة لا، بالطّبيعة، هاذيكا مسألة ما تهمّش لا من قريب ولا من بعيد "النّقابة العامّة للتّعليم الأساسي".
الحقيقة ما نحبّش نتحامل على نقابة التّعليم الأساسي، فأنا لا أظنّها الوحيدة في الوضعيّة هاذي، فعلى سبيل المثال سبق لي وأن إطّلعت بحكم دراستي على نشاط النقابي الطلاّبي في صلب الجامعة في إطار ما يعرف بالإتّحاد العام للطلبة التونسيّين، والحمد لله أنّي طيلة دراستي الجامعيّة قعدت بعيد عن المهازل التي تسمّى بنشاط سياسي أو نقابي داخل الجامعة، والتي تعرف قمّة إنحطاطها سنويّا بمناسبة إنتخابات المجالس العلميّة، حيث تدور فيها ضارب ومضروب وحرب عصابات وعار وخنّار، وبالأمارة منهم مرّة قعدت نتذكّرها على خاطر شخت عليها بالضّحك، واحد تاعب مسكين طالع يخطب على الطّلبة يجيه واحد آخر من دعاة الحريّة يطلعلوا على المنبر ويعطيه بدماغ خلاّه دايخ (هههه).. كان هذا مثال صغير من النّشاط السياسي والنّقابي في صلب الجامعة ولعمري فإنّ الإنسان لا يستغرب من بعد كيف يشوف مستوى الحوار الديمقراطي على سلّم أكبر بعد ما نفس الأشكال والرّهوط خرجت من الجامعة وأصبحت عناصر فاعلة في المجتمع.
نرجع بيكم عاد للنشاط النقابي في الجامعة لمّا كان خوكم البيغ طالب نجيب ومجتهد (الحقيقة وقتها كان نشاطي الأكاديمي والنّقابي والسياسي الأهمّ ينحصر في مجال توطيد العلاقات مع الجنس اللطيف لا أكثر ولا أقلّ)، كنت نقرى في إحدى المؤسّسات الجامعيّة التّونسيّة، وكان الإتحاد متاع الطلبة ناشط بصفة كبيرة وذلك من خلال تعليق تصاور "تشي غيفارا" و"فيدال كاسترو" حينا (فتحسّ وكأنّك في جامعة "هافانا" على ضفاف بحر الكاراييب ولا ينقصك سوى سماع موسيقى "الرومبا" لتنسى حقيقة المكان والزّمان) وجمال عبد الناصر وعلم فلسطين ومن بعده علم العراق لمّا تكبّت أيّامها أحيانا، وكانت الدنيا تخوض والمظاهرات تخرج والشعارات الفضفاضة تترفع عاما بعد عام، وناس تشدّ الحبس وناس تاكل طرايح، وتلحم بالبونية والمشطة في إنتخابات المجلس العلمي، ونسمعوا حديث عن الإستقلاليّة والحقوق والحريّات والإستبداد، ونسمعوا ناس تضرب في البندير وناس تسبّ في الحاكم، وناس تسبّ في الحاكم ياخي من بعد سنين لقيناهم يخدموا في الحاكم، حاسيلو كان مسلسل تعيس حفظت دين والديه بحكم أنّي كنت من هوّاة التّدوبيل المستديم، وخلال كلّ ذلك الوقت كنت كطالب بتلك المؤسّسة أواجه إشكالا وحيدا وكبيرا في نفس الوقت، وكنت تعهّدت أنّي ما نشارك في حتى إنتخابات وما نعطي الصّوت متاعي إلاّ للطّرف إلّي يتعهّد بإيجاد حلّ لتلك المشكلة. أكيد تحبّوا تعرفوا شنوّة الإشكال (ههههه).. الحقيقة هي مشكلة سخيفة ولكنّها مهمّة جدّا وعندها قيمة رمزيّة كبيرة: كانت مشكلتي تتلخّص في أنّ بيوت الرّاحة أو التوالات متاع الطّلبة ما يتحطّش فيها صابون، وبالتّالي كان كلّ من يدخل التوالات يغسل يديه بالماء فقط، وكان لمّا يخرج من التوالات يلقى مقابل وجهو السبّورة متاع الإتحاد العام لطلبة تونس معبّية بتشي غيفارا وفيدال كاسترو إلخ إلخ إلخ، في حين أنّه كان يكفي أنّهم يطالبوا بوضع قالب صابون أخضر على الأقل في التوالات باش يكسبوا الصّوت والولاء التّام متاعي لها القضيّة النّبيلة، على خاطر شخصيّا كنت نعتبر أنّ عدم وضع صابون في توالات الطلبة يعني أنّ الإدارة ما كانتش تعتبر أنّ الطّالب وصل لدرجة الإنسانيّة، وأنّه كيفو كيف الحيوان ما يحتاجش باش يغسل يديه بالصابون كيف يدخل للتوالات.
كانت السّنين تمرّ والقضايا العالميّة تتوالى وإنتخابات المجالس العلميّة تتكرّر ويشارك فيها الدّساترة والمستقلّين وجماعة الإتّحاد، وعام بعد عام خوكم نستنّا في القائد الملهم والبطل الشّجاع إلّي باش يثير أخيرا قضيّة الصّابون، ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى لين كمّلت دراستي وخذيت شهادتي (أخيرا) وقلبت منظري وقلبي كلّه حسرة على حياة جامعيّة قضيتها أتمنّى في قطعة صابون تغسل يدي وتجعلني أحسّ بحدّ أدنى من الإحترام من طرف المؤسّسة العموميّة إلّي نقرا فيها. ومرّت السّنون، وفات ما يقارب العقد، وشاءت الأقدار أن أعود لتلك المؤسّسة الجامعيّة هذه السّنة من بعد طول غياب لقضاء بعض الشّؤون، ولم تفاجئني رؤية نفس الشعارات متاع هاك العام مازالت معلّقة من طرف جماعة الهيكل النّقابي، ولكنّي كيف دخلت للتوالات متاع الطّلبة (في عام 2010) لقيتها مازالت ما فيهاش صابون، لا أخضر ولا معطّر ولا سائل ولا حتّى حفنة "أومو"، فضربت كفّا بكفّ وقلت لنفسي "يا خيبة المسعى، مشات ناس وجات ناس والمخاخ باقي هي هي.. ناس مسيّبة مشاكلها الحقيقيّة وعايشة في مسلسل متاع خيال علمي، يحبّوا يحلّوا قضايا الشّعوب المضطهدة وحتى واحد منهم ما جاء لبالو باش يشمّ صوابع يديه النّاتنة ويقول أعطيوني قلب صابون نغسل بيه يدّي؟" ثمّ قهقهت مرّتين وسقطت مغشيّا عليّ من قوّة الروائح الكريهة إلّي ضربتلي بعض الخلايا العصبيّة في دماغي، واستيقظت بعد ساعات في إحدى المصحّات العقليّة حامدا الله على أنّي ما خرجت يوما في مسيرة، ولا في مظاهرة كبيرة كانت أو صغيرة، وأكثرت من الشّكر للمولى لكوني ما أهدرت لحظة من شبابي واقفا أصغي لبلعوط خطيب، وعلى أنّي لم أنتمي يوما لنقابة ولا لنقيب. ويبقى حديثنا قياس وسلامي عليكم يا أعزّ النّاس.